– يقول إمام أهل النحو في زمانه أبو العبّاس المبرِّدُ (ت285هـ) في [الكامل]:
ليس لقِدَم العَهْدِ يُفَضَّلُ القائِلُ، ولا لحِدْثانِه يُهتَضَمُ المُصيبُ، ولكنْ يعطَى كُلٌّ ما يستحقُّ.
– قال الجاحظ: (ت 255هـ) :
إذا سمعتَ الرجلَ يقول: ما ترك الأوَّلُ للآخِر شيئاً، فاعلمْ أنه لا يريدُ أن يُفلِح.
[معجم الأدباء]
– يقول الإمام ابن مالك (ت672هـ) في مقدّمة كتابه [التسهيل]:
وإذا كانت العلومُ مِنَحاً إلهية، ومواهبَ اختصاصيةً فغيرُ مستبعَدٍ أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما عسُرَ على كثيرٍ من المتقدِّمين، أعاذنا الله من حسدٍ يسدُّ بابَ الإنصاف ويصدُّ عن جميل الأوصاف.
– علق المرتضى الزَّبيديُّ (ت1205هـ) على كلام ابن مالك قائلاً:
والمعنى أن تَقدُّم الزمان وتأخُّرَه ليست له فضيلةٌ في نفسه؛ لأن الأزمانَ كلَّها متساويةٌ، وإنما المعتَبر الرجالُ الموجودون في تلك الأزمان، فالمصيبُ في رأيه ونقلِه ونقدِه لا يضرُّه تأخُّرُ زمانِه الذي أظهره اللهُ فيه، والمخطئ الفاسدُ الرأيِ الفاسدُ الفهمِ لا ينفعه تقدُّم زمانِه، وإنما المُعاصرة كما قيل: حِجابٌ والتقليد المَحْضُ وبالٌ على صاحبه وعذاب. أنشدنا شيخنا الأديب عبد الله بن سلامة المؤذن:
قُلْ لمَن لا يرى المُعاصِرَ شيئاً :: ويرى للأوائل التَّقْديما
إنَّ ذاك القديمَ كانَ حديثاً :: وسَيُسمَّى هذا الحديثُ قَديما
– ويقول العلامة ابن عابدين الحنفي (ت1252هـ)-رحم الله الجميع-:
وأنت ترى كُتُبَ المتأخِّرين تفوق على كتب المتقدِّمين في الضبط والاختصار، وجَزالةِ الألفاظ، وجمع المسائل؛ لأن المتقدِّمين كان مصرِفُ أذهانهم إلى استنباطِ المسائل وتقويم الدلائل. فالعالم المتأخِّر يصرِف ذهنَه إلى تنقيح ما قالوه، وتبْيينِ ما أجْملوه، وتقْييدِ ما أطْلقوه، وجَمْع ما فرَّقوه، واختصارِ عباراتهم، وبيانِ ما استقرَّ عليه الأمرُ من اختلافاتهم، فهو كماشطة عروسٍ- ربَّاها أهلُها حتى صلحت للزواج – تزيِّنُها وتعرضها على الأزواج، وعلى كلٍّ فالفضل للأوائل، كما قال القائل:
كالبَحْرِ يَسْقيهِ السَّحابُ وما له :: فَضْلٌ عليهِ لأنَّه مِن مائهِ
الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي