ويعفو الله عن الحريري

زعم بعضهم أن أهل الصفة لم تكن صنعتهم إلا سؤال الناس والإلحاف في المسألة بالكُدية والمشاحذة!… كمن استدل بقوله تعالى (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا) على جواز الكُدية

قال الحريري في مقاماته التي قال عنها العقاد: ( إن من لم يقرأ مقامات الحريري «فليس بمتأدب» ):

…. وقال لهُ: ويْكَ يا بُنيّ إنّ مَنْ أُمِرَ بالقَناعَةِ. وزُجِرَ عنِ الضّراعَةِ. هُمْ أرْبابُ البِضاعَةِ. وأولُو المَكسَبَةِ بالصّناعَةِ. فأمّا ذَوو الضّروراتِ. فقدِ استُثْنيَ بهِمْ في المَحْظوراتِ. وهبْكَ جهِلْتُ هذا التّأويلَ. ولمْ يبلُغْكَ ما قيلَ. ألسْتَ الذي عارَضَ أباهُ. في ما قالَ وما حاباهُ:

لا تقْعُدَنّ على ضُرٍّ ومسْـغَـبَةٍ :: لكيْ يُقالَ عزيزُ النّفسِ مُصطَبِرُ

وانظُرْ بعينِكَ هل أرضٌ مُعطّـلةٌ :: منَ النّباتِ كأرضٍ حفّها الشّجَـرُ

فعَدِّ عمّا تُـشـيرُ الأغْـبِـياءُ بـهِ :: فأيُّ فضْلٍ لعودٍ مـا لـهُ ثـمَـرُ

وارْحَلْ رِكابَكَ عن ربْعٍ ظمئتَ به :: إلى الجَنابِ الذي يَهمي بهِ المطَرُ

واستَنزِلِ الرّيَّ من دَرّ السّحابِ فإنْ :: بُلّتْ يَداكَ بهِ فليَهنِكَ الـظّـفَـرُ

وإنْ رُدِدتَ فما في الرّدّ مَنقَـصَةٌ :: عليكَ قد رُدّ موسى قبلُ والخَضِرُ

قال الإمام القرطبي عند تفسيره (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا):

( ويعفو الله عن الحريري حيث استخف في هذه الآية وتمجَّن وأتى بخطل من القول وزلّ فاستدل بها على الكُدية والإلحاح فيها وأن ذلك ليس بمعيب على فاعله ولا منقصة عليه فقال:

وإن رُدِدت فما في الردَّ منقصةٌ :: عليك فقد رُدَّ موسى قبلُ والخضرُ

قلت: وهذا لعب بالدِّين وانسلال عن احترام النّبيّين وهي شِنشِنة أدبية وهفوة سخافيّة ويرحم الله السلف الصالح فقد بالغوا في نصيحة كل ذي عقل راجح فقالوا: مهما كنت لاعبا بشيء فإياك أن تلعب بدينك)

{تفسير القرطبي 11/5}

 

Geen fotobeschrijving beschikbaar..

الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي

To top