متى يبدأ حكم الفطر للمسافر؟ عند العزم أم الشروع ؟

تبدأ أحكام السفر إذا خرج المسافر من عامر قريته أو مدينته مُفارقا البنيان بالأبدان، قال الحافظ ابن عبد البر المالكي:

«واتفقوا في الذي يريد السفر في رمضان أنه لا يجوز له أن يُبيّت الفطر، لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية وإنما يكون مسافرا بالنهوض في سفره أو الأخذ في أهبته وليست النية في السفر كالنية في الإقامة لأن المسافر إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل، والمقيم إذا نوى السفر لم يكن مسافرا حتى يأخذ في سفره ويبرز عن الحضر فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر.»

(الاستذكار)

فالنيّة وحدها لاتكفي، قال ابن عرفة:

«ومبيح تبييت الفطر الإتصاف به لا نيته.»

(مواهب الجليل)

وهذا اتفاقا في المذهب كما حكاه ابن عبدالبر واللّخمي:

«لم يختلف المذهب أنه لا يجوز له الفطر قبل أن يتلبس بالسفر.»

وهو قول الحنابلة والشافعية والحنفية: قال الإمام ابن قدامة الحنبلي:

«وجملته أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته، ويجعلها وراء ظهره. وبهذا قال مالك، والشافعي، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين.»

(المغني)

قال الإمام النووي الشافعي:

«ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء.»

(المجموع)

وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر لمن تأهب للسفر وعزم ولم يبق عليه إلا الخروج، واستدلوا بأثر عن أنس رضي الله عنه أنه كان يفعله، وفي الاحتجاج به ضعف من جهة الأثر والنظر.

قال ابن قدامة:

«وإذا سافر ما يقصر فيه الصلاة، فلا يفطر حتى يترك البيوت وراء ظهره .. فأما أنس فيحتمل أنه قد كان برز من البلد خارجا منه، فأتاه محمد بن كعب في منزله ذلك.»

وقال -رحمه الله-: «ولنا قول الله تعالى : ﴿فمن كان منكم مريضا أو علىسفر فعدة من أيام أخر﴾ (أي: من لم يخرج فليس على سفر ) .. ولنا قول الله تعالى : ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ . وهذا شاهد ( أي: على أن الحاضر ومن لم يشرع في السفر وجب عليه الصوم)، ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة.»

واختلف المالكية فيمن أفطر قبل الشروع في السفر ما الذي يلزمه، قال اليعقوبي في كفاف المتبدي:

والخُلفُ هَل عَلَيهِ أَن يُكَفِّرَا :: إِن هُو مِن قَبْلِ المَسِيرِ أَفْطَرَا

أي واختلفوا إن أفطر قبل الشروع في السفر هل عليه الكفارة كما قال ابن حبيب، وقال ابن رشد: لا يكفر إن تأول، وقيل إن سافر يومه لم يكفر، وإن لم يُسافر ورجع عن عزمه كَفّر، وهو قول سحنون وأشهب وهو الذي رجحه الناظم فقال:

والرّاجح التَّكْفِيرُ إِن نَوَى السَفَرْ :: غداً فأفطر له وَعَنْهُ كَرْ

To top