تسائل البعض بعد منشوري السابق حول حرق الكتب الأندلسية عمّا تحويه مكتبة الإسكوريال (El Escorial) التي اشتهرت بكثرة ونفاسة المخطوطات العربية.
الإسكوريال قرية تقع على بعد 45 كم شمال غرب مدينة مدريد (Madrid) بها مكتبة عتيقة ضخمة وقصر ودَير وكنيسة قديمة ومقابر ملكية، بُنيت جميعها في القرن السادس عشر الميلادي.
فمن أين جاءت تلك المخطوطات، وما قصتها ؟
ذكر البحّاثة المغربي محمد الفاسي في تحقيقه وتقديمه لمخطوط “الإكسير في فكاك الأسير” للسفير المغربي ابن عثمان المكناسي الذي أوفده السلطان المغربيّ محمّد بن عبد الله لدى ملك إسبانيا كارلوس الثالث (Carlos III de España) سنة (1779م) لإطلاق سراح الأسرى المسلمين الذين كانوا في أسر النصارى بإسبانيا:
“أنّ خزانة الإسكوريال المليئة بالمخطوطات الثمينة يظنّ الكثيرون أنّها من مخلّفات العرب في إسبانيا، والحقيقة أنّ محاكم التفتيش الكاثوليكية كانت أحرقت كلّ الكتب العربية أينما وجدت ولم يبق بعد خروج المسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية كتب تستحقّ الذّكر ، وفي أيام السّعديين كان لمنصور الذهبي مولعا بإقتناء الكتب، وجمع منها خزانة عظيمة، وسار خلفه إبنه زيدان على سنته في الإهتمام بالكتب فنمّى الخزانة التي كانت عند والده .ولمّا قام عليه أحد أقاربه وإضطرّ للفرار، كان أوّل ما فكّر فيه خزانة كتبه فوضعها في صناديق ووجّهها إلى مدينة آسفي لتشحن في سفينة كانت هناك لأحد الفرنسييّن لينقلها إلى أحد مراسي سوس. فلمّا وصلت السفينة إنتظر رئيسها مدّة أن يدفع له أجرة عمله ، ولما طال عليه الأمر هرب بمركبه وشحنته الثمينة ، فتعرّض له في عرض البحر قرصان إسباني وطارده للإستيلاء على الصّناديق ، ولا شكّ أنهم كانوا يظنّون أنّها مملوءة بالذهب، واستولوا بالفعل على المركب الفرنسي وأخذوا الصناديق، فلمّا فتحوها ولم يجدوا بها إلاّ الكتب ، فكّروا من حسن الحظ أن يقدّموها هديّة لملكهم . ولمّا وصلت هذه الكتب إلى الملك فيليبّي الثاني (Felipe II de España) ، الذي كان منهمكا في بناء الديّر الفخم للقدّيس “لورينثو” بالمحلّ المسمّى الإسكوريال ،وكان قد نذر في حرب مع فرنسا ألجأته لهدم كنيسة تحمل إسم القدّيس المذكور، أنّه إذا إنتصر فسيبني له كنيسة أفخم . فلمّا وصلته هذه الكتب أوقفها على هذا الدّير، وهي التي لا تزال إلى اليوم موجودة به، ويقصدها العلماء من كلّ الأقطار للإستفادة من ذخائرها.”
الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي