صراع بين الفقه والحديث؟

لما احتدم الصراع بين المتفقهين على المذهب والدّاعين إلى العودة للسّنة في بلاد شنقيط في (القرن 12هـ/18م) قام جماعة من كبار العلماء فصحّحوا وبيّنوا عدم وجود تناقض بين الاتجاهين، على رأسهم الإمام العلامة سيدي المختار الكنتي -رحمه الله- (تـ 1226هـ / 1811م )ـ وكان مما قاله في قصيدته البائية الطويلة:

وَإِن تَبتَغي إِتقان مذهب مالك

فنص الموطأ حققنه وانتسب

ومن بعده جاءت فروع كثيرة 

وأتقنها اختصار نجل الذي حَجب

وأنفعها نص الرسالة قبله 

ونص خليل جاء بالدر والحسب

وإياك أن ترضى باقتناص فروعها 

بغير ارتشاف من مناهلها العذب

فمن لم يقيد بالكتاب علومه 

طغى وبغى واستبدل البسر بالرطب

ومن يترك القرآن نسيا وراءه 

فقد زل في التمثيل عن ناجح الرتب

ومن حاد عن نص الحديث سفاهة 

فقد أبدل الجياد بالحمر الحدب

ولا تقتصر إن الحديث بيانه 

وتفسيره فقه الأئمة لا الشعب

ومن يترك الفقه المهذب رغبة 

فقد رام تضليلا وعن رشده يذب

Geen fotobeschrijving beschikbaar.

فمع تمذهبهم بمذهب مالك -رحمه الله- لم يتركوا الحديث ولم يهجروه فكان منهم حفظة ومتبحرون متخصصون في الحديث وعلومه كما أنشد الشيخ العلامة أباه ولد عبد الله -وفقه الله-

والجل من حفاظها من قبلها 

حفظوا كتاب الله في الكُتّاب

وهناك بعض منهمُ قد أحرزوا 

من سنة المختار ملء جِراب

ما حل منهم حافظ في بلدة 

إلا بدا بدرا بدون حجاب

والمنصفون إذا رأوه رأيتهم 

مصغين من عجب ومن إعجاب

 

وتجد اهتمامهم كذلك في وصف العلامة باب بن أحمد بيب (تـ 1276هـ / 1859م) في رثاءه للعلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي (تـ 1233هـ / 1818م ) (صاحب “مراقي السعود” و”طلعة الانوار” = مختصر ألفية العراقي):

قد كاد أن يوصف بالترجيح 

لفهمه ونقله الصحيح

وكان في الحديث لا يبارى

 كأنما نشأ في بخارى

وجاء في مرثية باب بن أحمد بيب للعلامة بدي بن سدينا (1264هـ / 1847م):

وليبكه الحديث والتفسير 

والجامع الصغير والكبير

والجامع الصحيح للبخاري

وليبكه كذاك فتح الباري

ولتبكه أيضا شروح مسلم 

والقسطلاني والإمام العلقمي

وقد بكته كتب الخلاف 

كما بكت قواعد القرافي

وقد بكت ألفية العراقي 

كما بكت قواعد الزقاقي

ويقول العلامة المختار بن حامدن (تـ 1414هـ / 1993م) في رثائه للعلامة المختار ولد ابلول الحاجي (تـ 1407هـ / 1986م):

كنا بمدرسة المبروك آونة 

نعشو إلى ضوء ذاك النير الندس

كنا نحلق بالمختار يخبرنا 

بما يسلسله الراوون عن أنس

وجابر وابن عباس ليخبرنا 

من الحديث بما قد كان منه نسي

To top