«وأما حال أهل الأندلس في فنون العلوم، فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنّهم أحرص النّاس على التّميّز، فالجاهل الذي لم يوّفقه الله للعلم يجهد أن يتميّز بصنعة ويربأ بنفسه أن يرى فارغا عالة على النّاس، لأنّ هذا عندهم في نهاية القبح.
والعالِم عندهم مُعظّم من الخاصّة والعامّة، يُشار إليه ويحال عليه وينبّه قدره وذكره عند النّاس، ويكرم في جوار أو ابتياع حاجة وما أشبه ذلك
.. وقراءة القُرآن بالسّبع ورواية الحديث عندهم رفيعة،
وللفقه رونق ووجاهة، ولا مذهب لهم إلا مذهب مالك، وخواصّهم يحفظون من سائر المذاهب ما يباحثون به بمحاضر ملوكهم ذوي الهمم في العلوم، وسمة الفقيه عندهم جليلة حتى إنّ الملثمين (أي: المرابطين) كانوا يسمّون الأمير العظيم منهم الذّي يريدون تنويهه بالفقيه، وهي الآن بالمغرب بمنزلة القاضي بالمشرق وقد يقولون للكاتب والنحويّ واللغويّ فقيه لأنّها عندهم أرفع السّمات.
وعلم الأصول عندهم متوسّط الحال،
والنّحو عندهم في نهاية من علو الطّبقة حتى إنّهم في هذا العصر فيه كأصحاب عصر الخليل وسيبويه لا يزداد مع هرم الزمان إلا جدة وهم كثيرو البحث فيه وحفظ مذاهبه كمذاهب الفقه وكل عالم في أي علم لا يكون متمكنا من علم النحو بحيث لا تخفى عليه الدقائق فليس عندهم بمستحق للتمييز ولا سالم من الازدراء.»
[ نفح الطّيب – شهاب الدين المقَّري (تـ1041هـ/1631م) ]
(( ﻻ أرى أن يسمى طالب العلم فقيها حتى:– يكتهل ويكمل سنه– ويقوى نظره– ويبرع في حفظ الرأي– ورواية الحديث– ويتميز فيه ويعرف طبقات رجاله– ويحكم عقد الوثائق– ويعرف عللها– ويطالع الاختلاف– ويعرف مذاهب العلماء– والتفسير ومعاني القرآنفحينئذ يستحق أن يسمى فقيها وإﻻ فاسم الطالب أليق به ))[فقهاء الأندلس في عصر الخلافة][الديباج المذهب في أعيان علماء المذهب ﻻبن فرحون]