ذكَر الشيخ عبدالحي الكتّاني -رحمه الله-: أن “صاحب المقتطف نقل عن المؤرخ الإسباني دربلس أن ما أحرقه الإسبانُ من كتب الأندلس ألفُ ألفٍ وخمسائة ألف (1.500.000) مجلد، كلها خطَّتْها أقلام العرب.
وفي كتاب (وفَيَات الأسلاف وتحية الأخلاف):
أن أسقف طليطلة وحده أحرق من الكتب الإسلامية العالية ما ينيف على ثمانين ألفَ كتاب.”
(تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب)
وذكرت المستشرقة الألمانية سيغريد هونكه (Sigrid Hunke) في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) (Allahs Sonne über dem Abendland: unser arabisches Erbe) :
“وهكذا حرقت يد التعصب مليوناً وخمسة آلاف من المجلدات، هي مجهود العرب في الأندلس وثمرة نهضتهم في ثمانية قرون.”
وقد كان من أعظم هذه المكتبات في الأندلس المكتبة الأمويّة بقُرطبة التي جمع فيها الخليفة الحكم المستنصر بالله ما لا يُحدّ كَثرةً ولا يوصف نفاسةً من كل حدب وصوب، وصلت في وقته زُهاءَ أربعمائة ألف (400.000) مجلدة، استغرق نقلها ستة أشهر وجمع لأجل ذلك في قصره حُذّاق النساخين، والمهرة في الضبط، والمجيدين في التجليد لصيانة كتبه.
وبعد سقوط غرناطة وإعطاء الأمان للمسلمين بحفظ دينهم وأموالهم أمر (الكاردينال شيمنز نيروس) (Francisco Jiménez de Cisneros) -أمين سر الملكة إيزابيلا (Isabel I de Castilla) وكبير مفتشي محاكم التفتيش- سنة 1502م أمر بجمع كتب مدينة غرناطة كلها في ساحة باب الرملة (Plaza Bibrambla) وإضرام النار فيها.
وقد جاء ذكر هذا الحرق في قصيدة طويلة أرسلها أهل الجزيرة إلى السلطان بايزيد العثماني يستغيثون به مما حل بديارهم (أوردها المقري في أزهار الرياض كاملة):
فقال لنا سلطانُهم وكبيرُهم :: لكم ماشرطتم كاملاً بالزِّيَادةِ
فكونوا على أموالكم ودياركم :: كما كنتمُ من قَبلُ دُون أَذِيّةِ
فلما دخلنا تحت عقد ذمامهم :: بدا غدرُهم فينا بنقض العزيمةِ
وخان عهودا كان قد غرَّنا بها :: ونَصَّرَنَا كُرْهًا بعُنْفٍ وسطوةِ
وكل كتاب كان في أمر ديننا :: ففي النار ألقوه بهزْءٍ وحقْرَةِ
ولم يتركوا فيها كتاباً لِمُسْلِمٍ :: وَلا مُصْحَفًا يخلَى به في القراءةِ
ومن صام أو صلى، ويُعلم حالُه :: ففي النار يُلقُوه على كل حالةِ
والذي بقي من هذه الكتب شيء قليل جُمع في أديرة الرهبان وكنائسهم لا يكاد يُعرف عنها شيء.
الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي