الإسلام أوسع من أن يُحصر في طائفة

من سنوات نسعى ونحاول مع جمع من الأئمة والدّعاة ومن خلال بعض المساجد والمؤسسات والاتحادات العمل على لمّ شمل المسلمين وتوحيد الجهود والعمل على إيجاد حلول عملية للتحديات التي يواجهها المسلمون في هذا البلد الغربي الذي يمثل المسلمون فيها نسبة قليلة (5٪؜ تقريبا).

كثير من الجهات آمنت بضرورة الائتلاف وجمع الكلمة والتشاور من غير نظر إلى الانتماء المذهبي والحركي فتحقق بذلك في أشهر قليلة كثير من الفوائد التي لم تتحقق في أربعين سنة ماضية، منها على سبيل المثال مشروع مواقيت الصلاة.

لم يقم هذا التعاون والائتلاف على إلغاء الخلاف، فهذا لا يمكن أن يُتصوّر، ولكن قام على ترشيد الخلاف وإبعاد أشكال التعصب المذموم وتجاوز بعض الخلافات التي عفا عليها الزمان ولم يعد لها أثر في حياة الناس اليوم.

في خضم هذا -والناس قد سُرّت بثمرات هذا التعاون الذي تراه بين كثير من المسلمين وبين المشايخ والأئمة والمؤسسات الإسلامية المنتسة إلى أهل السنة والجماعة- كانت هناك فئة تستشيط غيظا ويؤرقها هذا التقارب الذي تراه في صفوف المسلمين، وتسميه تمييعا للدين وتضييعا للأصول وانتكاسة عن المنهج، إذ جمع الكلمة والائتلاف الذي يؤمنون به يكون فقط مع من على طريقتهم ولم ينحرف عن جادتهم.

فجاؤوا بقضهم وقضيضهم وبعجرهم وبُجرهم وسعوا لإقامة اللقاءات والمحاضرات كلها من أجل تأصيل الخلاف وبيان خطورة الجلوس مع أهل البدع(!) وأنهم هم فقط الطائفة المنصورة وغيرهم هلكى وأن التعاون مع المخالفين بدعة في المنهج وانحراف في العقيدة والمسلك وغير ذلك من انحرافاتهم التي عمّت وطمّت في مشارق الأرض ومغاربها، إلا أنها على أهل الإسلام في ديار الغرب أشد وأنكى وأظلم وأطغى.

وكل داعية يعمل على تصحيح المفاهيم واحترام الأئمة والدفاع عن تراث الأمة ونبذ الغلو وإخراج الناس من ضِيق التكتلات والتحزبات إلى رحابة الإسلام وسعته وأن الدين ليس محصورا في جهة ومقصورا على جماعة فإنه سيصبح مرمى لسهامهم وهدفا لنبالهم، بل يشترك جميع أطيافهم ويوعزون إلى العوام من أتباعهم تنظيم حملات إعلامية على مواقع التواصل لتشويه الدعاة والمؤسسات والتحذير منهم.

وهذا ما جعل كثيرا من الأئمة والمدرسين يتقاعسون عن بيان الحق مداراة لهم واتقاء شرهم ومكرهم فاغتر جمع من الشباب بحملاتهم المسعورة وهجماتهم المدحورة على دعاة الإصلاح والمشاريع التي تخدم مصالح المسلمين.

وما أن يَفِدَ على هذه البلاد إمام فاضل أو شيخ أجل إلا وحاولوا استقطابه وجره إلى جماعتهم بعد أن يمتحنوه، فإن أبى الانصياع والخضوع لسدنة الطائفة شوهوه أمام الكبير والصغير واستحقروه واستنقصوه، وكم من فاضل ترك البلاد إلى غيرها بسبب ما ناله من أذاهم.

وإذ نكتب هذا المقال فإننا نوكد تشبثنا بمبادئ الائتلاف والاجتماع ونحترم جميع الفاعلين والعاملين في مجال الدعوة الى الله في هذا البلد ونؤكد أننا نسر بما يحققونه وينجزونه ونأسف للانتكاسات التي قد تصيب الجميع بفعل هذا الشتات والتكتلات وعقلية الإقصاء والتبديع واحتكار السنة والحقّ.

الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي

To top