مِن أسباب اختلاف الفقهاء، اختلافهم في حكم الحديث المُرسَل:
وهو الحديث الذي رفعه التابعي إلى النبيّ ﷺ بلا واسطة، وهذا اصطلاح المتأخرين، أما متقدمي أهل الصّنعة فقد يطلقون المرسل على الحديث الذي سقط منه رجل واحد من أي موضع من السند (وهو المنقطع باصطلاح المتأخرين).
ذهب جمهور المحدثين إلى أن الحديث المرسَل ضعيف غير حجة وقد حكى الحافظ ابن الصلاح أنه (هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر)، وذهب جمهور الفقهاء – منهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والثوري والطّبري وأحمد بن حنبل في إحدى روايتيه- إلى أن الإرسال لا يضر، فالحديث المُرسل عندهم حجة يُعمل به.
قال الحافظ ابن عبد البر:
«والذي عليه جماعة أصحابنا المالكيين إن مرسل الثقة تجب به الحجة، ويلزم به العمل؛ كما يجب بالمسند سواء.»
(التمهيد)
والإمام أحمد أخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، ورجحه على القياس، ويَشترط في راويه ألا يروي إلا عن ثقة.
وتوسّط بينهما الإمام الشافعي فاعتبره ضعيفًا ضعفا يسيرا ويَقبلُ الجَبر، فإذا عرض له أحد المؤيدات الأربعة صار حُجّةً عنده، والمؤيّدات عنده هي: «أن يروى مسنداً، أو مرسلاً من وجه آخر، أو يفتي به بعض الصحابة، أو أكثر أهل العلم» (الرسالة) فالشافعي لا يرد المُرسل ولا يقبله بإطلاق (ولكن يبغي فيها مزيد تأكيد بما يغلب على الظن) على نحو ما وصف الجويني.
وليست الأحاديث المرسلة بالعدد اليسير، وبسببه قد يقع الخلاف في الأحكام الفقهية بين الأئمة رضي الله عن الجميع.
الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي