إنّ من أجلّ المقاصد التي راعها الشّرع الحكيم مقصد اجتماع المسلمين وائتلافهم ونبذ الفرقة والنّزاع.
ولا يشكّ عاقل أن المصلحة العامّة مُقدّمة على المصلحة الخاصّة، قال ربّنا ﷻ: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) والنّصوص الشّرعية التي تحثّ أهل الإيمان على لمّ الشّمل وتقليل أسباب الخلاف ونبذ الفرقة كثيرة مستفيضة.
ومخالفة ما اتّفق عليه المسلمون في مواقيت الصّلاة من أعظم أسبابِ النّزاع والشّر. وقد رأينا حجم آثارها السّيئة في هذه البلاد الغربيّة وكيف أنّ أبناء الأسرة الواحدة يختلفون ويتنازعون في وقت الإمساك والفطر والصّلاة.
والإسلام جاء بالحثّ على الائتلاف والوئام والتّعاون على البّر والتّقوى وترك كلّ ما يؤدي للنّزاع، قال ﷺ: (بَشِّرا ولا تُنفِّرا وتطاوعا ولا تختلفا)، وما عهد عن السّلف رضي الله عنهم مفارقة الجماعة والعمل على شق الصّف والكلمة لأجل إحياء مستحب! بل من الواجب ترك المستحب إن كان في فعله ذهاب أصل من أصول الدّيانة كأصل الاجتماع. وهذا النّبي ﷺ ترك إعادة بناء الكعبة كراهة الاختلاف والفتنة. فكيف لو كان هذا الرأي مخالف لما عليه عمل الأمة من الأمر العتيق.
فليتق الله من يدعوا النّاس إلى تقاويم شخصية فردية ويخالف في ذلك كل الهيئات العلمية والمجامع الفقهية وما جرى عليه عمل المسلمين في هذا الشأن من قديم ويتعلق بأقوال مهجورة مندثرة أو مقالات ليس أهلها من أهل التوقيت الشرعي ولا التخصص الفلكي.
العالِم الحق إذا نظر في مسألة فإنه يراعي جميع جوانبها، لا أن يُغَلِّب الاحتياط للصلاة ثم يُضَيّع على النّاس صيامهم.
وكأن بعضهم لا يطيب له اجتماع جل المسلمين بعد أن اتفقت كلمتهم حتى يراهم قد تفرقوا من جديد أو لا يرى معنى للاجتماع إلا إن كان على رأيه هو!
يحزّ في النّفس ويعزّ علي أن أرى عقد المسلمين ينفرط وعامة المسلمين يُشوّش عليهم في صيامهم وصلاتهم بناء على أقوال مُحدثة وفهم لم يكن عند المتقدمين.
أصلح الله الحال والمآل وإلى الله المشتكى.
صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي بجدة، في دورته التاسعة، في قراره السادس، بتاريخ: 19/ 7/ 1406هـ، الموافق: 30/ 3/ 1986م، “بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية” (كبريطانيا وهولندا وألمانيا وبلجيكا والدنمارك ونحوه)، والذي نص على ما يأتي:
[أولًا: دفعًا للاضطرابات والاختلافات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعيون في تحويل هذه العلامات إلى حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس في السماء فوق الأفق أو تحته كما يلي:
(1) الفجر: ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضًا في الأفق الفجر الصادق، ويوافق الزاوية (18) درجة تحت الأفق الشرقي…
(6) العشاء: ويوافق غياب الشفق الأحمر حيث تقع الشمس على زاوية قدرها (17) تحت الأفق الغربي.]
(من الموقعين على القرار: ابن باز – عبد الله البسام – ابن عثيمين – صالح الفوزان – مصطفى الزرقا – أحمد أبو سنة – الشاذلي النيفر – محمد سالم ولد عدود – أبو الحسن الندوي)
وتحديدهم لصلاة الفجر على 18 درجة عليه عمل أهل الإسلام منذ أكثر من ألف عام، قال العلامة الفقيه الموقت عبد الرحمن بن عمرو الجزولي (المشهور بابن المفتي) (تـ1006هـ)
[إعلم أن مغيب الشفق كطلوع الفجر وذلك عندما يكون انخفاض الشمس تحت الأفق ثماني عشرة درجة]
وقبله (تـ858هـ) العلامة الفقيه المؤقت عمر بن عبد الرحمن المخزومي التوزري:
[وعمل المتقدمين من أهل هذه الصناعة على تباين بلادهم في المشرق والمغرب على أن ارتفاع النظير مشرقا عند مغيب الشفق ثماني عشرة ومثل ذلك ارتفاعه مغربا عند طلوع الفجر عملا منهم أن الشفق هو البياض ولم يزل عملهم على ذلك]
وقبله (تـ840هـ) العلامة الرياضي الفلكي صلاح الدين قاضي زادة:
[وقد عرفنا بالتجربة أن أول الصّبح وآخر الشفق إنما يكون إذا كان انحطاط الشمس ثمانية عشر جزءا]
هذه النّقولات وغيرها كما في المرفقات وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي الذي اجتمع فيه كبار العلماء والفقهاء والمتخصّصون من مختلف أقطار العالم الإسلامي أسلم للديانة وأجدر بالاقتداء والاتباع من ترجيحات فردية لبعض الفضلاء من غير المتخصصين!
وهذه الفتوى المفصلة المطولة من أحسن ما رأيت في الباب:
الالتزام بمواقيت الصلاة
الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي