رواية الحديث بالمعنى

ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف ومنهم الأئمة الأربعة إلى جواز رواية الحديث بالمعنى، واشترطوا في الرّاوي أن يكون عالمًا بلغات العرب وأساليبهم، بصيرًا بمدلولاتها، عالمًا بمعاني الألفاظ وما يُغيّر المعنى وما لا يغيّره، وذلك حتى يستبين الفروق خَشية أن يُعبّر عن كلمة بِغيرها وبينهما تفاوت.

وزاد الإمام أبو حنيفة شرطا آخر وهو أن يكون الرّاوي بالمعنى فقيهًا ليُدرك الآثار المترتبة على تصرفه بالألفاظ.

مثالٌ على تغيّر المعنى:

(1) جاء في (السُّنَن) لأبي داود أن النبيّ ﷺ قال: «من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه.»

(2) وفي بعض النُّسخ والرِّوايات : «..فلا شيء له.»! وهذا اللفظ الأخير هي رواية ابن ماجه وابن أبي شيبة في المُصنّف وقال الخطيب «المحفوظ: “لا شيء له”.» وقال ابن عبد البر: «”فلا شيء له” هذا هو الصّحيح.» وقال الإمام أحمد: لا يثبت!

فمن أخذ بالرواية الأولى “فلا شيء عليه”، أجاز الصّلاة على الجنازة في المسجد من غير كراهة فيها، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحمد، قال النووي: «وفي هذا الحديث دليل للشافعي والأكثرين في جواز الصلاة على الميّت في المسجد.»

ومن أخذ بالرواية الثاني “فلا شيء له”، كرِه الصّلاة عليها في المسجد، وهو قول الإمام أبي حنيفة ومالك، ففي (المدونة) قال الإمام مالك: «أكره أن توضع الجنازة في المسجد.» ولذلك ترى في بعض بلاد الحنفية والمالكية أنهم يضعون الجنائز في المقصورة ولا يُدخلونها المسجد.

وقيل في الجمع بين الروايتين: «قوله “فلا شيء عليه”، أي لا شيء على المصلي من الإثم فيها، وقيل معنى قوله “فلا شيء له”، أي لا شيء للمُصلي من زيادة الفضل في أداء صلاة الجنازة في المسجد، بل المسجد وغيره في هذا سواء وبهذا يندفع التعارض بين الحديثين.» (عون المعبود)

رضي الله عن الجميع.

الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي

To top