الأعمال التي تُفضي إلى المصالح الخالصة لا يرتاب فيها العقلاء، إلا أن هذه الأفعال – لاسيما مع البُعد عن عهد النبوّة- تقّل شيئا فشيئا، فلابد من مراعاة الأصلح فالأصلح، قال الإمام العز بن عبد السلام:
«واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح، ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد … ولا يُقدِّمُ الصالحَ على الأصلحِ إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شَقِيٌّ متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت، واعلم أن المصالح الخالصة عزيزة الوجود..»[قواعد الاحكام]
وقال العلامة شهاب الدين القرافي:
«استقراء الشريعة يقتضي أنه ما من مصلحة إلا وفيها مفسدة، ولو قَلَّت على البُعد، ولا مفسدة إلا وفيها مصلحة، وإن قلَّت على البُعد .. وإذا كان هذا في أعظم الأشياء مصلحة وأعظمها مفسدة، فما ظنك بغيرهما ؟!»[شرح تنقيح الفصول]
وقريب منه كلام الإمام تقي الدين ابن تيمية لما قال:
«المصلحة المحضة نادرة، فأكثر الحوادث فيها ما يَسُوء ويَسُرّ، فيشتمل الفعل على ما ينفع ويُحَبُّ، ويُراد ويُطلَب، وعلى ما يَضُرُّ ويُبغض، ويُكره ويُدفع، … وهذا حال ما اجتماع فيه مصلحة ومفسدة من جميع الأمور.»[مجموع الفتاوى]
.
ومن المصالح والمفاسد ما لا يخفى على أحد، ومنها ما هو موضع خفاء لا يهتدي إليه إلا أهل العلم والفهم، قال العز بن عبد السلام:
«فمن المصالح والمفاسد ما يشترك في معرفته الخاصة والعامة، ومنها ما ينفرد في معرفته خاصة الخاصة، ولا يَقِفُ على الخفيّ منها إلا من وفّقه الله بنور يقذفه في قلبه.»[قواعد الاحكام]
.
وقال:
«ومن المصالح والمفاسد ما لا يعرفه إلا كل ذي فهم سليم، وطبع مستقيم، ويعرف بها ما دِقَّ المصالح والمفاسد وجلهما، وأرجحهما من مرجوحهما، وتفاوت الناس في ذلك على قدر تفاوتهم فيما ذكرته، وقد يغفل الحاذق الأفضل عن بعض ما يطلع عليه الآخر من المفضول، ولكنه قليل.»[قواعد الاحكام]
.
قال ابن تيمية:
«فأما التمييز بين جنس المعروف وجنس المنكر، وجنس الدليل وغير الدليل يتيسر كثيرا، فأما مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل، بحيث تُقدِّم عند التزاحم أعرف المعروفين فتدعو إليه، وُتنكر أنكر المنكرين، وتُرجِّح أقوى الدليلن، فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين.»[اقتضاء الصراط المسقيم]
الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي