كَانَ مِن عَادَاتِ العَرَبِ فِي الجَاهِلِيّة أَنّ الرّجل مِنهُم إذَا خَدِرَت رِجلُهُ وفَتَرَت ذَكَر مَن يُحِب فَيذهب عن رِجْلِهِ خَدَرُهَا، وعلّلوا ذلك بأن من ذَكرَ مَحبُوبَه وأَجَالَهُ في فِكرِهِ فقد تَوجّه إليه بِحَواسّه مِما يَجْعَل الحَرَارةَ الغَرِيزِيّة تتحرّك في بَدَنِه فَيَجْرِي الدَّمُ فِي عُرُوقِه فَيذهَب الخَدَر، وقد جُرِّبَ هذا فَنَفَع.
وعليه تُحْمَل قِصّة عَبدِ الله بن عُمَر :
«خَدرت رِجْلُ ابنِ عُمَر، فَقالَ له رَجُل: اُذْكُر أَحَبَّ النّاسَ إِلَيك فَقَالَ: مُحَمَّد.»
[الأدب المفرد]
وقد جَاء ذِكر هذا في كَثيرٍ من أشعَار الجاهليّة والإسلام:
قال قَيسُ بنُ ذَرِيح:
إِذَا خَدِرَتْ رِجْلِي تذكَّرتُ مَنْ لَهَا
فناديتُ لُبْنَى باسْمِهَا ودعوتُ
دَعَوْتُ التي لو أنّ نَفْسي تُطِيعُني
لَفَارَقْتُهَا مِنْ حُبِّهَا وَقَضَيْتُ
وقال جَمِيلِ بُثَيْنَةَ:
إِذَا خَدِرَتْ رِجْلِي وَقِيلَ شِفَاؤُهَا
دُعَاءُ حَبِيـبٍ كُنْتِ أَنْتِ دُعَائِيَا
إِذَا مَــا لَـدِيغٌ أَبْـرَأَ الْحَـلِـيُ دَاءَهُ
فَحَلْيُـكِ أَمْـسَـى يَـا بُثَينَةُ دَائِـيَا
ولَهُ أَيضًا:
وأنتِ لعَيْنِيْ قُرَّةٌ حين نَلْتَقِيْ
وذِكْرُكِ يَشفِيْني إذا خَدِرَت رجلي
وكقول عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ :
إِذا خَدِرَتْ رِجْلِي أَبُوحُ بِذِكْرِهَا
لِيَذهَبَ عَنْ رِجْلِي الْخُدُورُ فَيَذْهَبُ
إِذا خَلَجَتْ عَيْــنِـي أَقُــولُ لَعَلَّها
لِرُؤيَتِـهَا تَهْــتَـاجُ عَيْنِي وَتَضْـرِبُ
وقوله أيضا :
أهيمُ بها: في كل ممسىً ومصبحٍ
وأُكثر دعواها إذا خدِرت رجلي
ويقول كُثّير عزة:
إذا مَذَلَتْ رجلي ذكرتُكِ اشتفي
بدعواك من مَذْلٍ بها فيهون
وكقول العبَّاسِ بْنِ الأَحْنَفِ :
يا قُرَّةَ الْعَينِ يَا مَنْ لا أُسمّيهِ
يَا مَنُ إِذَا خَدِرَت رِجْلِي أُنَادِيهِ
وقالت امرأة:
إذَا #خَدَرت رِجلِي دَعوتُ ابنَ مُصْعبٍ
فإنْ قلتُ: عبدَ اللهِ أجْلَى فتورَها
وقال أبو العتاهية:
وتَخْـدرُ في بعضِ الأحـايينِ رِجْلُهُ
فإنْ لم يَقلْ يا عُتْب لم يذهبِ الخَدَر
وقال الموصلي:
واللهِ ما خَدَرَتْ رجلي وما عَثَرَتْ
إلا ذكرتُكِ حتى يَذْهبَ الخدَرُ
وقال الوَلِيدُ بنُ يَزِيد:
أَثِيبِي هَائِـمـاً كَـلِفاً مُـعَـنَّى
إذا خَدَرتْ له رجْلٌ دَعاكِ
وقال بَشَّارِ بْنِ بُرد:
إِذا خَدِرَتْ رِجْلِي شَفَيْتُ بِذِكْرِهَا
أَذَاهَا فَأَهفُو بِاِسْمِهَا حِينَ تُنْكَبُ
وقال الشاعر:
صبُّ محبُّ إذا ما رِجْلُه خَدَرت
نادى (كُبَيْشَةَ) حتى يذهب الخَدَر
وقول الآخر:
على أنَّ رجلي لا يَزَالُ امْذِلالُها
مُقيماً بها حتّى أُجيْلَكِ في فكري
الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي